لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

شباب غزة يغازلون الزواج بـــ “حسيبك للزمن” !



تلفزيون الفجر الجديد – الهدف: يعد الزواج حق من حقوق البشر لا تجوز مصادرته أو محاصرته، وقد جاء القانون العالمي ليؤيد هذه الضرورة في سن قوانين تكفل للناس هذا الحق بما تحتويه المادة 16 للقانون العالمي صراحةً بأن: " للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين".

لقد بات من الملاحظ على مدار السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة تأخر الزواج لدى الشباب الفلسطيني، ما يعتبر مشكلة اجتماعية خطيرة بحد ذاتها تهدد أمن المجتمع الفلسطيني، وتركيبته السكانية؛ علي اعتبار أنه من المجتمعات الفتية حسبما أشارت إليه معطيات نشرها مركز الإحصاء الفلسطيني قالت إن نسبة المواطنين العازبين تصل إلى 40% من كلا الجنسين, تصل بين الذكور 45% ومقابله 34.6% للإناث.
محمد (31 عاما) يعمل في مخبز للمعجنات ويعيش في بيت يكاد يتسع لأسرته المكونة من أختين وأخوين والأم والأب.
يقول محمد الابن البكر والمعيل لهذه العائلة: كنت ارغب بالزواج من إحدى الفتيات، وبالفعل أتممت خطبتها ولكن أثناء الخطوبة سرعان ما بدأت تنهال علي الشروط من قِبل أهلها فأدركت أنني لا اقوي عليها، فما كان أمامي خيار آخر سوي الانفصال عن خطيبتي التي أحببتها.
وبين محمد أن راتبه بالكاد يكفي لنفقات الحياة اليومية ومتطلباتها في بيته، متسائلاً عن الكيفية التي تمكنه من فتح بيت الزوجية الآخر في ظل عدم قدرته على العيش في نفس بيت العائلة.
ويُعلق محمد ساخراً: أنا وعائلتي زيادة علي البيت وليس البيت زيادة علينا لأجلب شريكة المستقبل للعيش معنا.
محمد يشير أيضا إلى صعوبة الوضع الاقتصادي وصعوبة الحياة التي تفرض عليه أن يضحي ويقدم تنازلات من أجل الآخرين، لافتا إلى أنه ينفق علي إخوته الذين يدرسون في الجامعة.
أما بالنسبة لفادي (32 عاما) فقد يبدو الأمر مختلفاً نوعًا ما.
لقد أنهي فادي دراسته الجامعية من كليه الحقوق، وصار يعمل وينفق علي أهله وعنده الإمكانيات التي قد تؤهله للزواج ومتطلباته, ولكن افتقار قطاع غزة لمواد البناء يقف عائقا أمامه؛ فهو ينوي بناء شقته السكنية أو "عش الزوجية" ليحقق الاستقلالية له ولشريكة حياته التي سيختارها في حينه.
على أمل
يقول فادي: إن قررت أن أبدأ بالبناء سوف أخسر كل ما جمعته حتى الأن فقط لإنجاز البناء  بشكل مقبول ولن يتبقى شيء من مخصصاتي لتكاليف الزواج الأخرى، إن مواد البناء إن توفرت فهي غالية جدا بأضعاف مضاعفة من ثمنها المفترض.
وعلى النقيض من أهل محمد الذي يتولى الانفاق عليهم، رفض فادي مساعدة أهله قائلا: أنا رجل قادر على الاعتماد على ذاتي  في مشروع حياتي المستقبلية، أحب أن اجتهد وأتعب فيما أريد حتى أستشعر بجمال وقيمة ما أريد أن أحصل عليه، الزمن سيغير كل شيء".
هكذا، ينوي فادي الانتظار على أمل تحسن الأوضاع الحالية الراهنة وحل الأزمة العامة في المجتمع، فهل يطول انتظاره؟!
شروط معينة
سماح (27 عاما) تعمل مدرسة تربية إسلامية في إحدى المدارس الثانوية للبنات تؤمن بمبدأ القضاء والقدر, فتأخر الزواج بالنسبة لها قضية رضا بالنصيب: إن قدر الله لي الزواج من إنسان معين فهذا ما كتبه الله لي، وإن لم يقدر لي ذلك فهذا نصيبي الذي يجب أن أرضى به وسأكون سعيدة فإن لم يكتبه بالدنيا فسوف يكتبه لي بالآخرة. هكذا تقول.
وجدير بالذكر أنها تمتلك قدراً جيداً من الجمال، وبينت سماح  سبب تأخر زواجها بأنها تضع شروطا معينة لمن سيشاركها الحياة الزوجية وأضافت: أنا إنسانة محافظة جداً وملتزمة ومن أرغب بالزواج منه لابد أن يكون بشروط معينة وهي أن يكون هذا الشخص ملتزم، متدين، منتمي، ملتحي.
ولا تخفي سماح أنها تعمل وتساعد أهلها حيث أن دخل والدها لا يكفي للنفقات المعيشية اليومية لأن عددهم كبير في المنزل موضحة أنها الابنة الثانية وان عدد أخوتها 9، فيما الفتيات يكبرن الصبية.
تجميل الواقع
"تغير سن الزواج مشكلة اجتماعية خطيرة منتشرة في كل المجتمعات لكنها باتت حالة لافتة في المجتمع الفلسطيني لتزايد نسبتها بين الشباب والفتيات لأسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية ولكن خلافاً لمجتمعات حاولت البحث عن حلول جدية وحقيقية تُعالج أسباب التأخر في سن الزواج من بطالة وغيره؛ تجد في المجتمع الفلسطيني صناعة أخرى قائمة على تجميل الواقع وتعزيز ثقافة زواج المساعدات أو الهبات المالية / العينية". هكذا رأى أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور حسام أبو ستة .
وعدد أبو ستة أسباب لهذه الظاهرة الاجتماعية، فأولها عند الفتيات: المغالاة بالمهور ومتطلبات الزواج واشتراط ذوي المؤهلات، بالإضافة إلى اشتراط مستوي اجتماعي واقتصادي معين في ظل زيادة الوعي للتأني باختيار شريك الحياة المناسب.
وثانيها عند الذكور: الارتفاع غير المسبوق لمعدلات البطالة وخاصة البطالة الجامعية، إضافة إلى الفقر الشديد الذي جاء نتيجة الحصار المفروض على  قطاع غزة، وعمل ذوي المؤهلات في وظائف متواضعة ورغبتهم في تمكين وضعهم الاقتصادي بشكل أفضل قبل الزواج، إضافة إلى اشتراط الزواج بالمرأة العاملة.
تداعيات
وقال أبو ستة: إن الانفتاح على الثقافات المتعددة التي تعمل على البحث عن نوع من الاستقلالية سواء بالمسكن أو تطوير الذات والحصول على شهادات عليا، تعتبر من الأسباب الثقافية التي تلعب دوراً مهماً في تفشي ظاهرة التأخر في سن الزواج.
ومن ناحية أخرى تناول أبو ستة مجموعة من التداعيات التي تأتي نتيجة لهذه الظاهرة منها الإيجابي ومنها السلبي: "طرأ تغير على مفهوم الزواج في مجتمعنا الفلسطيني فقد تعدى كونه إطاراً شرعياً لإشباع الرغبات الجنسية وأصبح متجهاً نحو إشباع أشياء معنوية كالحصول على نوع من الاستقرار والتحلي بالمسؤولية .. ".
حلول واهية
وأشار أبو ستة إلى أن هناك أيضاً تغيرين جوهريين طرءا على الأسرة في المجتمع أولهما: أن الأسرة أصبحت صغيرة وفرص الإنجاب تبعاً لسنوات العلاقة الزوجية أقل، إذ أصبح متوسط عدد أفراد الأسرة من 3 إلى 4 أفراد، وثانيهما: الزيادة الواضحة للأسرة النووية على حساب الأسرة الممتدة .
وأردف أبو ستة: بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية قدمت حلولا واهية على شكل  مبادرات للزواج الجماعي، قد توفر فرص للزواج ولكنها بطبيعة الأمر ليست حلولاً أساسية فهي تضع أُسر جديدة هشة أمام تحديات صارخة. من الأجدر تقديم حلول جدية لإنهاء فرص البطالة والفقر وتعزيز الشعور بالأمن، هذه الأسباب التي تُعتبر ذات التأثير الحقيقي لتقليص تمدد هذه الظاهرة التي تفتكـ بمجتمعنا بالإضافة إلى إيلاء القضايا الشبابية اهتمام أكبر وتنمية الوعي لديهم بدءا باختيار الشريك المناسب وصولاً إلى تكوين أسرة ناجحة بالمجتمع.. ".
على الرغم من كافة القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية التي أقرت بأحقية الزواج وتكوين أسرة إلا أنها لم تضمن للشباب هذا الحق على أرض الواقع، ولم توفر لهم سبل العيش والتمتع بحياة كريمة مستقرة، بالتالي فإن كل ما تناولته هذه القوانين والنصوص يبقى طي ورقات القانون العاجزة عن التطبيق الفعلي على الأرض في ظل تنامي مبررات العزوف من حصار وبطالة وتلاشي مبررات الإقبال من أمان واستقرار. وهنا يبقى السؤال مطروحاً : إلى متى سيدفع الشباب فاتورة فُرضت عليهم ؟

 

الرابط المختصر: